الشركات العائلية..تنمو..تتوغل.. وتنتشر
إعداد- نورهان عباس:
أشاد تقرير مسحي أجرته مؤسسة كي أم جي KPMG العالمية بالطفرة التي شهدتها الشركات العائلية في قطر، تلك المؤسسات المتوارثة من جيل لآخر، والتي حققت عوائد هائلة في السوق الخليجي عموماً والقطري بوجه خاص، حيث انطلقت بسرعة الصاروخ في قطر بسبب المرونة التي يقدمها لهم الاقتصاد المحلي للبلاد، والمميزات التي تتاح للشركات العائلية مع باقة من التسهيلات التشريعية والمالية لتطوير أعمالها في البلاد ودعمها بأكبر صورة قطرية ممكنة. متوقعا تضاعف حجم الشركات العائلية القطرية خلال الـسنوات العشر المقبلة معتمدة على ما تملكه الأجيال الجديدة من مزايا تكنولوجية متطورة، تتيح لها توسيع مشروعاتها واستثماراتها في قطر والعالم.
وقال التقرير العالمي: "دول مجلس التعاون الخليجي، أكثر من أي مكان آخر في جميع أنحاء العالم، تفتح ذراعيها للشركات العائلية في أغلب أعمالها التجارية، فمعظم اقتصادات تلك الدول تعتمد على مجموعة من الأسماء البارزة، التي استمرت في ضخ استثماراتها بالمنطقة جيل بعد آخر".
وأضاف: "من الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى الشركات متعددة الجنسيات، نجد أن أغلب المؤسسات الخليجية تملكها أسر بعينها وهي تشكل العمود الفقري لاقتصاد المنطقة بأسرها".
ولفت التقرير، إلى أن الشركات العائلية القطرية تحظى بثقة عالمية بعدما أثبت قدرتها على تحقيق نمو قياسي في عوائدها على مر السنين، مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي الخمس الأخرى (البحرين، الكويت ،وعمان، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) .
وعن مستقبل تلك الشركات، قال التقرير: "هذه الشركات تملك مقومات النمو المستدام. خلال الخمس سنوات المقبلة، وهناك المزيد من الفرص المتاحة أمامهم لتوسيع استثماراتهم حسب المسح، الذي شارك فيه 42 من قادة الأعمال العائلية، إضافة إلى المقابلات التي تم إجراؤها مع المتخصصين في الشركات العائلية المتخصصة، بهدف تحديد الاتجاهات والقضايا التي تؤثر حاليًا على نمو أسواق المنطقة".
ولفت التقرير، إلى أن مؤشرات نمو الشركات العائلية خليجياً تبدو متفائلة نسبيا، فأكثر من نصف المشركين في المسح يشعرون بالثقة بشأن توسع أعمالهم، لافتين إلى أنهم أنهم مستمرون في التكيف مع ظروف الاقتصاد العالمي وتقلبات أسعار النفط.
وأضاف التقرير: "رغم الحصار السياسي والاقتصادي المفروض على قطر منذ منتصف يونيو 2017، لا يزال النمو على رأس جدول الأعمال الشركات العائلية، مع تركيز الكثير من هذه الشركات على تحسين معدلات الربحية ، وتحسين الإيرادات المتحققة في نهاية كل عام، كما قال أكثر من ثلثي المشاركين في المسح إنهم يركزون على رفع الإنتاج مستقبلاً، وضخ المزيد من الاستثمارات في المنطقة كجزء من استراتيجيتهم للتوسع والتطور على مدى السنوات المقبلة".
واستطرد التقرير قائلا إنه : "تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي مكانًا رائعًا للقيام بالأعمال، فالشركات العائلية تدخل تقريباً في جميع قطاعات الاقتصاد في المنطقة".
ومع ذلك، وعلى الرغم من مؤشرات النمو الإيجابية كان هناك بعض التحديات الأخيرة، التي واجهت الشركات العائلية في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، ومنها عدم القدرة على الحصول على تسهيلات مالية وتشريعية بنفس الدرجة في جميع دول المنطقة الست، حيث تتفاوت درجة تلك التسهيلات من دولة لأخرى، مما يؤدي لتحجيم تلك الاستثمارات في دول دون أخرى".
أما في الدول المرنة الأكثر انفتاحاً على تشجيع المستثمرين مثل قطر، فلا تزال البلاد تشهد نموا مستداما وأداء إيجابيا إن لم يكن الأفضل بالسنوات الأخيرة".
وفيما يخص مستثمري المنطقة من العائلات التجارية الكبيرة، فقد ذكر أكثر من ثلث مسؤولي الشركات ممن تمت مقابلتهم وإشراكهم في المسح، أن ايراداتهم زادت بصورة كبيرة في الـ 12 شهرا السابقة بنسبة تصل إلى 40%، كما أكد أكثر من ثلثي المشاركين أنهم يشعرون بأنهم في وضع مالي واقتصادي مستقر وينتظرون المزيد من التحسن في الإيرادات على أساس سنوي".
على الجانب الآخر، شهدت المملكة العربية السعودية أكبر كم من التحديات والعوائق خلال العام الماضي، مع وجود تغييرات هامة في السياسة المالية ، وإدخال ضرائب جديدة، وانتشار حالة عدم اليقين الاقتصادي في البلاد. إضافة إلى انخفاض أسعار النفط، واتخاذ الحكومة السعودية بشكل استباقي مجموعة من إجراءات التقشف، إضافة إلى عمل تدابير مالية أخرى لتعزيز اقتصاد البلاد ودعم صورته.
وعلى مستوى المنطقة فإنه من التحديات الأخرى غير المتوقعة أيضاً، وجود مطبات اقتصادية في الطريق أمام توسع الشركات العائلية في المنطقة، ومن تلك المطبات: زيادة حدة المنافسة بينها، والحرب من أجل استقطاب المواهب، كما أن انخفاض الربحية كلها عوامل ترعب مالكي الشركات العائلية في المملكة.
أيضاً، هناك بعض الخيارات الصعبة، التي ستكون الشركات العائلية في المنطقة مطالبة باتخاذها خلال هذا العام وما بعده، كما سيتوجب على تلك الدول أن تبحث عن طرق جديدة للوقوف في مكان جيد في المنافسة مع ارتفاع وتيرة تغير السوق.
وعن طرق تخطي تلك العقبات، قال 30% من المشاركين بالمسح إنهم يتطلعون إلى أن يصبحوا أكثر ابتكارا وأوضح 38% أنهم يبحثون عن مجالات اقتصادية مختلفة لتنويع استثماراتهم مع التطوير من أنفسهم من خلال جديدهم من المنتجات والخدمات".
وعلق التقرير على ذلك، بقوله: "من الواضح أن الشركات العائلية في منطقة مجلس التعاون الخلجي تبحث الآن عن إيجاد طرق جديدة للتميز في السوق وهذا من الأولويات الغالبة على أجندة تلك المؤسسات، خلال الفترة المقبلة".
على الجانب الآخر، أكد 40% من مسؤولي الشركات العائلية المشاركين في المسح زيادة حدة المنافسة فيما بينهم خلال الـ5 سنوات الأخيرة، لافتين إلى أن أكبر عقبة تواجههم في التوسع مستقبلاً هي التغييرات في أنظمة اللوائح والضرائب في المنطقة".
وتجد الشركات العائلية في دول عمان والسعودية والكويت صعوبة الآن في جذب المزيد المواهب التي يحتاجونها، حيث قال 95% من المستثمرين الذين شملهم الاستطلاع عدم وجود خبرات وكفاءات كبيرة لشغل مناصب قيادية داخل المؤسسات، وهذا من الواضح أنه هدف يجب أن يكون على رأس أولويات العملية التعليمية في المنطقة، التي تحتاج إلى مزيد من الشباب الواعي المتفوق ذهنياً وعلميا لرفعة المؤسسات العائلية التي يرتكز عليها الاقتصاد.
وفي محاولة لتحسين عملية التوظيف برمتها، رصد المتخصصون في مؤسسة كي بي أم جي رؤية الشركات العائلية بشكل متزايد حول كيفية تحديد وصول موظف إلى موقع قيادي ذات قيمة أساسية في اتخاذ القرار بالمؤسسة.
وقالت الشركات المشاركة في المسح عن ذلك، أن معياري التعليم الفائق والتفوق التقني ستكون على رأس أولويات اختيار موظف قيادي لدعم مستقبل تلك الشركات، التي استمر بعضها لأكثر من قرن في المنطقة".
وحسب التقرير، تتميز تلك الشركات العائلية بميزة هائلة، وهي التمتع بأعلى معدلات الاحتفاظ بالعمالة، وتشغيلهم لفترات سنوية أطول من الشركات الأخرى، كما أنها كثيراً ما تتجنب خيار تسريح العمال خلال فترات الركود".
وفيما يخص مستقبل تلك الشركات في المنطقة، فإن تمرير الأعمال العائلية إلى الجيل القادم هو أولوية قصوى وقلق دائم لدى العديد من الأسر من أصحاب الأعمال، ويعتقد ما يصل إلى نسبة 88% من المشاركين في المسح أن تحضير وتدريب الجيل القادم أمر حاسم بالنسبة لبقاء الأعمال التجارية والنجاح لعقود في السوق، ويؤمنون أنها مسؤولية الجيل الأكبر لتعليم الجيل الأصغر من شاغلي المناصب القيادية مستقبلاً، جنبا إلى جنب مع نقل مبادئ الأسرة وفكرها الاقتصادي ونقل خلاصة تجاربهم لهم.
ويشير التقرير، إلى أنه عندما يكون هناك أفراد من الأسرة على استعداد للسيطرة على مقاليد الشركة، يكون التحدي الثاني والأهم هو ضمان سلاسة انتقال السلطة في تلك الشركات إلى الجيل القادم بسلاسة ودون شن مجموعة من النزاعات والصراعات العائلية في توزيع أسهم الشركة أو مراكزها القيادية، كما حدث مع مجموعة من المؤسسات في السابق بالفعل، سواء كان ذلك فيما يخص الإدارة أو ملكية الشركة.
وعن مخاوف الانتقال السلس للأعمال في الشركات الخليجية العائلية الكبرى، قال38% من المسؤولين المشاركين بالاستطلاع، إن تمرير إدارة الأعمال للجيل القادم تكون المهمة الأصعب. بينما قال 21% إن تمرير الملكية وليس الإدارة في الشركة العائلية يكون المهمة الأصعب، واختار 21% أيضاً الاكتتاب العام الأولي عند تسليم الإدارة لجيل جديد بوصفه المهمة الأصعب، بينما اختار 17% مهمة تعيين رئيس تنفيذي جديد للشركة من داخل الأسرة بوصفها المهمة الأصعب، واختار 17% أيضاً مهمة إدخال طرف ثالث أو بيع الشركة لشخص أومؤسسة من خارج أفراد الأسرة بأنها الأصعب.
وعلق تقرير كي بي أم جي على اختيارات مسؤولي الشركات العائلية بقوله: "في النهاية لا يوجد مقياس واحد يناسب الجميع، عندما نتحدث عن نهج الإدارة داخل الشركات العائلية ومعيار استمرارها ونقل السلطة فيها، فالشركات العائلية تتطلع على نحو متزايد إلى إنشاء عمليات إجراءات والخطط لإدارة الشركة داخل العائلة، ومواصلة دفع النمو في المستقبل دون الوقوع في فخ النزاع العائلي على الإدارة".
أيضاً، ولضمان تبادل الأدوار والمسؤوليات، تحرص الشركات العائلية في منطقة مجلس التعاون الخليجي على أن تكون بعض مناصب أعضاء مجلس الإدارة موزعة بين أفراد الأسرة، وذلك أيضاً لضمان معايير الوضوح والشفافية، وحتى تعرف العائلات ما يجب فعله عندما تنشأ خلافات بين أطراف الأسرة الواحدة.
وفيما يخص تحديد الأهداف والاستراتيجيات، فإن وضع رؤية متقدمة في المستقبل هو السمة المميزة للشركات العائلية في قطر ومنطقة مجلس التعاون الخليجي عموماً. فغالباً ما يملك أصحاب الأعمال وجهة نظر طويلة الأجل، ويقومون بشكل مستمر بالتحضير للمستقبل ومحالة خلق تراث وأسس يسير عليها من يأتي بعدهم.
أما ثاني أكبر أولوية في الشركات العائلية في المنطقة، فهو تجنب خطر انخفاض الأرباح. وعن ذلك يقول81% من مالكي الشركات المشاركين في المسح، إنهم يضعون تحسين الربحية كهدف أعمالهم الأعلى.
وأكد ما مجموعه 84% من المشاركين أنه لضمان استقرار أو زيادة عوائد أعمالهم فإنهم يقومون بوضع خطة استراتيجية تتضمن ضخ مجموعة من الاستثمارات داخليًا وخارجياً.
ويختتم التقرير بقوله: "من المتوقع أن تستمر الأعمال العائلية في الانتعاش والتجذر في قطر ومنطقة الخليج العربي بأسرها خلال السنوات المقبلة، مع وجود مستوى كبير من الثقة ونتائج الأعمال الجيدة والربحية، وسوف تحدد قدرتهم على توريث أعمالهم بنجاح إلى الأجيال المقبلة قدرتهم على التوسع والنمو".